الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ جَعَلَ أَلْفَ دِينَارٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدَفَعَهَا إِلَى غُلَامٍ لَهُ تَاجِرٍ يَتْجِرُ بِهَا وَجَعَلَ رِبْحَهُ صَدَقَةً لِلْمَسَاكِينِ وَالْأَقْرَبِينَ هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الْأَلْفِ شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَعَلَ رِبْحَهَا صَدَقَةً فِي الْمَسَاكِينِ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا الشرح: قوله: (باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت) هذه الترجمة معقودة لبيان وقف المنقولات، والكراع بضم الكاف وتخفيف الراء اسم لجميع الخيل، فهو بعد الدواب من عطف الخاص على العام. والعروض بضم المهملة جمع عرض بالسكون وهو جميع ما عدا النقد من المال. والصامت بالمهملة بلفظ ضد الناطق، والمراد من النقد الذهب والفضة. ووجه أخذ ذلك من حديث الباب المشتمل على قصة فرس عمر أنها دالة على صحة وقف المنقولات فيلحق به ما في معناه من المنقولات إذا وجد الشرط وهو تحبيس العين، فلا تباع ولا توهب بل ينتفع بها، والانتفاع في كل شيء بحسبه. قوله: (وقال الزهري إلخ) هو ذهاب من الزهري إلى جواز مثل ذلك، وقد أخرجه عنه هكذا ابن وهب في موطئه عن يونس عن الزهري، ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في قصة عمر في حمله على الفرس في سبيل الله ثم وجده يباع، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الهبة، واعترضه الإسماعيلي فقال: لم يذكر في الباب إلا الأثر عن الزهري، والحديث في قصة الفرس التي حمل عليها عمر فقط، وأثر الزهري خلاف ما تقدم من الوقف الذي أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بأن يحبس أصله وينتفع بثمرته، والصامت إنما ينتفع به بأن يخرج بعينه إلى شيء غيره، وليس هذا بتحبيس الأصل والانتفاع بالثمرة بل المأذون فيه ما عاد منه نفع بفضل كالثمرة والغلة والارتفاق والعين قائمة، فأما ما لا ينتفع به إلا بإفاتة عينه فلا. اهـ ملخصا. وجواب هذا الاعتراض أن الذي حصره في الانتفاع بالصامت ليس بمسلم، بل يمكن الانتفاع بالصامت بطريق الارتفاق بأن يحبس مثلا منه ما يجوز لبسه للمرأة فيصح بأن يحبس أصله وينتفع به النساء باللبس عند الحاجة إليه كما قدمت توجيهه والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَعْطَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا رَجُلًا فَأُخْبِرَ عُمَرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَفَهَا يَبِيعُهَا فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَاعَهَا فَقَالَ لَا تَبْتَعْهَا وَلَا تَرْجِعَنَّ فِي صَدَقَتِكَ الشرح: حديث ابن عمر في قصة عمر في حمله على الفرس في سبيل الله ثم وجده يباع قد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الهبة. *3* الشرح: قوله: (باب نفقة القيم للوقف) في رواية الحموي " نفقة بقية الوقف " والأول أظهر. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ الشرح: ورد حديث أبي هريرة مرفوعا " لا تقسم ورثتي دينارا ولا درهما، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة " وهو دال على مشروعية أجرة العامل على الوقف، والمراد بالعامل في هذا الحديث القيم على الأرض والأجير ونحوهما أو الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم، ووهم من قال إن المراد به أجرة حافر قبره. وقوله: " لا تقتسم ورثتي " بإسكان الميم على النهي ويضمها على النفي وهو الأشهر وبه يستقيم المعنى حتى لا يعارض ما تقدم عن عائشة وغيرها أنه لم يترك صلى الله عليه وسلم مالا يورث عنه، وتوجيه رواية النهي أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئا بل كان ذلك محتملا فنهاهم عن قسمة ما يخلف إن اتفق أنه خلف، وقوله صلى الله عليه وسلم "ورثتي " سماهم ورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة، لكن منعهم من الميراث الدليل الشرعي وهو قوله: " لا نورث ما تركنا صدقة " وسيأتي شرحه مستوى في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ يَأْكُلَ مَنْ وَلِيَهُ وَيُؤْكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالًا الشرح: حديث ابن عمر في وقف عمر مختصرا، وقد تقدم شرحه مستوفى قبل بباب، وقد اعترضه الإسماعيلي بأن المحفوظ عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع " أن عمر " ليس فيه ابن عمر، ثم أورده كذلك من طريق سليمان بن حرب وغير واحد عن حماد. قلت: لكن البخاري أخرجه عن قتيبة عنه، وقتيبة من الحفاظ، وقد تابعه يونس بن محمد عن حماد بن زيد فوصله أخرجه أحمد عنه مطولا، ووصله أيضا يزيد بن زريع عن أيوب أخرجه الإسماعيلي. وقال الحميدي: لم أقف على طريق قتيبة في صحيح البخاري، وهو ذهول شديد منه، فإنه ثابت في جميع النسخ. *3* وَقَالَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا فَإِنْ اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرْتُهَا أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزْتُهُمْ قَالَ فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَقَدْ يَلِيهِ الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ فَهُوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ الشرح: قوله: (باب إذا وقف أرضا أو بئرا أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين) هذه الترجمة معقودة لمن يشترط لنفسه من وقفه منفعة، وقد قيد بعض العلماء الجواز بما إذا كانت المنفعة عامة كما تقدم. قوله: (ووقف أنس) هو ابن مالك (دارا فكان إذا قدم نزلها) وصله البيهقي من طريق الأنصاري " حدثني أبى عن ثمامة عن أنس أنه وقف دارا له بالمدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره " وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار ويستثني لنفسه منها بيتا. قوله: (وتصدق الزبير بدوره وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فليس لها حق) وصله الدارمي في مسنده من طريق هشام بن عروة عن أبيه " أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه، لا تباع ولا توهب ولا تورث، وأن للمردودة من بناته " فذكر نحوه، ووقع في بعض النسخ " من نسائه " وصوبها بعض المتأخرين فوهم فإن الواقع بخلافها، وقوله غير مضرة ولا مضر بها بكسر الضاد الأولى وفتح الثانية. قوله: (وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجات من آل عبد الله بن عمر) وصله ابن سعد بمعناه وفيه " أنه تصدق بداره محبوسة لا تباع ولا توهب". قوله: (وقال عبدان إلخ) كذا للجميع قال أبو نعيم ذكره عن عبدان بلا رواية، وقد وصله الدار قطني والإسماعيلي وغيرهما من طريق القاسم بن محمد المروزي عن عبدان بتمامه، وأبو إسحاق المذكور في إسناده هو السبيعي، وأبو عبد الرحمن هو السلمي، قال الدار قطني تفرد بهذا الحديث عثمان والد عبدان عن شعبة، وقد اختلف فيه على أبي إسحاق فرواه زيد بن أبي أنيسة عنه كهذه الرواية أخرجه الترمذي والنسائي، ورواه عيسى بن يونس عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن عثمان أخرجه النسائي أيضا، وتابعه أبو قطن عن يونس أخرجه أحمد. قلت: وتفرد عثمان والد عبدان لا يضره فإنه ثقة، واتفاق شعبة وزيد بن أبي أنيسة على روايته هكذا أرجح من انفراد يونس عن أبي إسحاق، إلا أن آل الرجل أعرف به من غيرهم فيتعارض الترجيح فلعل لأبي إسحاق فيه إسنادين. قوله: (أن عثمان) أي ابن عفان. قوله: (حيث) في رواية الكشميهني (حين حوصر) أي لما حاصره المصريون الذين أنكروا عليه تولية عبد الله بن سعد بن أبي سرح، والقصة مشهورة، وقد وقع في رواية النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة المذكورة قال: " لما حصر عثمان في داره واجتمع الناس قام فأشرف عليهم " الحديث. قوله: (أنشدكم الله) في رواية الأحنف عن النسائي " أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو " زاد الترمذي والنسائي من رواية ثمامة بن حزن عن عثمان " أنشدكم الله والإسلام". قوله: (من حفر رومة) قال ابن بطال: هذا وهم من بعض رواته والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها. قلت: هو المشهور في الروايات فقد أخرجه الترمذي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فقال فيه: " هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب من مائها إلا بثمن " لكن لا يتعين الوهم فقد روي البغوي في " الصحابة " من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال: " لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: نعم. قال: قد جعلتها للمسلمين " وإن كانت أولا عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه. قوله: (فصدقوه بما قال) في رواية صعصعة بن معاوية التيمي قال:: " أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم فقال: احضروا غدا، فأشرف عليهم " فذكر الحديث بطوله أخرجه سيف في الفتوح، وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك هم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، وزاد الترمذي في رواية زيد بن أبي أنيسة أي عن أبي إسحاق في روايته " هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثبت حراء، فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: نعم " وسيأتي هذا من حديث أنس في مناقب عثمان إن شاء الله تعالى. وفي رواية زيد أيضا ذكر رومة " لم يكن يشرب منها إلا بثمن، فابتعتها فجعلتها للفقير والغني وابن السبيل " وزاد النسائي من طريق الأحنف عن عثمان " فقال اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك " وزاد في روايته أيضا " وأشياء عددها " فمن تلك الأشياء ما وقع في رواية ثمامة بن حزن المذكورة " هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها"، ونحوه لإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن حبان من طريق أبي سعيد مولى أبي أسيد عن عثمان في قصة مقتله مطولا، وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان " أنه اشتراها بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا"، وزاد في ذكر جيش العسرة " فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا خطاما " وللترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أنه جهزهم بثلاثمائة بعير، ولأحمد من حديث عبد الرحمن بن سمرة " أنه جاء بألف دينار في ثوبه فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم حين جهز جيش العسرة فقال صلى الله عليه وسلم: ما على عثمان من عمل به بعد اليوم " وأخرج أسد بن موسى في " فضائل الصحابة " من مرسل قتادة " حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة " وعند أبي يعلى من وجه آخر ضعيف " فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب " وعند ابن عدي بسند ضعيف جدا عن حذيفة " أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان عثمان في جيش العسرة فجاء بعشرة آلاف دينار " ولعلها كانت عشرة آلاف درهم، فتوافق رواية عبد الرحمن بن سمرة من صرف الدينار بعشرة دراهم. ومن تلك الأشياء ما وقع في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان عن أحمد والنسائي " أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان يقول هذه يد الله وهذه يد عثمان " الحديث وسيأتي بيان ذلك في مناقب عثمان من حديث ابن عمر إن شاء تعالى. ومنها ما روى الدار قطني من طريق ثمامة بن حرب عن عثمان أنه قال: " هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه واحده بعد أخرى رضي بي ورضي عني؟ قالوا: نعم " ومنها ما أخرجه ابن منده من طريق عبيد الحميري قال: " أشرف عثمان فقال: يا طلحة أنشدك الله، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه، فأخذ بيدي فقال: هذا جليسي في الدنيا والآخرة؟ قال: نعم " وللحاكم في " المستدرك " من طريق أسلم " أن عثمان حين حصر قال لطلحة: أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رفيقي في الجنة؟ قال: نعم " وفي هذا الحديث من الفوائد مناقب ظاهرة لعثمان رضي الله عنه، وفيها جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل منفعة، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب. قوله: (وقال عمر في وقفه) تقدم شرحه مستوفى قبل ثلاثة أبواب، وقد ادعى الإسماعيلي وغيره أنه ليس في أحاديث الباب شيء يوافق ما ترجم به إلا أثر أنس، وليس كذلك فإن جميع ما ذكره مطابق لها، فأما قصة أنس فظاهرة في الترجمة، وأما قصة الزبير فمن جهة أن البنت ربما كانت بكرا فطلقت قبل الدخول فتكون مؤنتها على أبيها فيلزمه إسكانها فإذا أسكنها في وقفه فكأنه اشترط على نفسه رفع كلفه. وأما قصة ابن عمر فتخرج على هذا المعنى لأن الآل يدخل فيهم الأولاد كبارهم وصغارهم. وأما قصة عثمان فأشار إلى ما ورد في بعض طرقه وهو قوله فيما أخرجه الترمذي من طريق ثمامة بن حزن قال: " شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي " الحديث وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب الشرب. وأما قصة عمر فقد تقدم لها بخصوصها، وقد تقدم توجيه ذلك قبل أبواب. *3* الشرح: قوله: (باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى) أورد فيه حديث أنس في قول بني النجار " لا نطلب ثمنه إلا إلى الله " أورده مختصرا جدا، وقد تقدم بسنده وزيادة في متنه قبل خمسة أبواب، قال الإسماعيلي المعنى أنهم لم يبيعوه ثم جعلوه مسجدا، إلا أن قول المالك لا أطلب ثمنه إلا إلى الله لا يصيره وقفا، وقد يقول الرجل هذا لعبد فلا يصير وقفا ويقوله للمدبر فيجوز بيعه. وقال ابن المنير: مراد البخاري أن الوقف يصح بأي لفظ دل عليه إما بمجرده وإما بقرينة والله أعلم، كذا قال، وفي الجزم بأن هذا مراده نظر، بل يحتمل أنه أراد أنه لا يصير بمجرد ذلك وقفا. *3* اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ الْأَوْلَيَانِ وَاحِدُهُمَا أَوْلَى وَمِنْهُ أَوْلَى بِهِ عُثِرَ أُظْهِرَ أَعْثَرْنَا أَظْهَرْنَا الشرح: قوله: (باب قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم - إلى قوله - والله لا يهدي القوم الفاسقين) كذا لأبي ذر وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيات الثلاث، قال الزجاج في " المعاني " هذه الآيات الثلاث من أشكل ما في القرآن إعرابا وحكما ومعنى. قوله: (الأوليان وأحدهما أولى، ومنه أولى به) أي أحق به، ووقع هذا في رواية الكشميهني لأبي ذر وحده وكذا الذي بعده، والمعنى وآخران أي شاهدان آخران يقومان مقام الشاهدين الأولين، من الذين استحق عليهم أي من الذين حق عليهم وهم أهل الميت وعشيرته، والأوليان أي الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما، وارتفع الأوليان بتقديرهما كأنه قيل من الشاهدان؟ فأجيب الأوليان، أو هما بدل من الضمير في يقومان أو من آخران، ويجوز أن يرتفعا باستحق أي من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال، ولهذا قال أبو إسحاق الزجاج: هذا الموضع من أصعب ما في القرآن إعرابا، قال الشهاب السمين: ولقد صدق والله فيما قال. ثم بسط القول في ذلك وختمه بأن قال: وقد جمع الزمخشري ما قلته بأوجز عبارة فقال - فذكر ما تقدم - فلذلك اقتصرت عليه. قوله: (عثر ظهر، أعثرنا أظهرنا) قال أبو عبيدة في " المجاز " قوله: " فإن عثر على أنهما استحقا إثما " أي فإن ظهر عليه. وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة " فإن عثر أنهما استحقا إثما إن اطلع منهما على خيانة " وأما تفسير أعثرنا فقال الفراء: قوله أعثرنا عليهم أي أظهرنا واطلعنا، قال: وكذلك قوله فإن عثر أي اطلع. الحديث: و قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ فَقَالُوا ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ قَالَ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ الشرح: قوله: (وقال لي علي بن عبد الله) أي ابن المديني، كذا لأبي ذر والأكثر. وفي رواية النسفي " وقال علي " بحذف المحاورة، وكذا جزم به أبو نعيم، لكن أخرجه المصنف في التاريخ فقال: " حدثنا علي بن المديني " وهذا مما يقوى ما قررته غير مرة من أنه يعبر بقوله: " وقال لي " في الأحاديث التي سمعها، لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون موقوفة، وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل. قوله: (ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا، ومحمد بن أبي القاسم يقال له الطويل ولا يعرف اسم أبيه، وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وتوقف فيه البخاري مع كونه أخرج حديثه هذا هنا، فروى النسفي عن البخاري قال: لا أعرف محمد بن أبي القاسم هذا كما ينبغي. وفي نسخة الصغاني: كما أشتهي. وقد روى عنه أيضا أبو أسامة: وكان علي بن عبد الله - يعني ابن المديني - استحسنه. وزاد في نسخة الصغاني أن الفربري قال: قلت للبخاري رواه غير محمد بن أبي القاسم؟ قال: لا. وقد روى عنه أبو أسامة أيضا لكنه ليس بمشهور، وروى عمر البجيري - بالموحدة والجيم مصغرا - عن البخاري نحو هذا وزاد: قيل له رواه - يعني هذا الحديث - غير محمد بن أبي القاسم؟ فقال: لا، وهو غير مشهور. قلت: وما له في البخاري ولا لشيخه عبد الملك بن سعيد بن جبير غير هذا الحديث الواحد، ورجال الإسناد ما بين علي بن عبد الله وابن عباس كوفيون. قوله: (خرج رجل من بني سهم) هو بزيل بموحدة وزاي مصغر، وكذا ضبطه ابن مأكولا، ووقع في رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن تميم نفسه عند الترمذي والطبري بديل بدال بدل الزاي، ورأيته في نسخة صحيحة من تفسير الطبري بريل براء بغير نقطة، ولابن منده من طريق السدي عن الكلبي بديل بن أبي مارية، ومثله في رواية عكرمة وغيره عند الطبري مرسلا لكنه لم يسمه، ووهم من قال فيه بديل بن ورقاء فإنه خزاعي وهذا سهمي، وكذا وهم من ضبطه بالذال المعجمة، ووقع في رواية ابن جريج أنه كان مسلما، وكذا أخرجه بسنده في تفسيره. قوله: (مع تميم الداري) أي الصحابي المشور وذلك قبل أن يسلم تميم كما سيأتي، وعلى هذا فهو من مرسل الصحابي لأن ابن عباس لم يحضر هذه القصة، وقد جاء في بعض الطرق أنه رواها عن تميم نفسه، بين ذلك الكلبي في روايته المذكورة فقال: " عن ابن عباس عن تميم الداري قال: برئ الناس من هذه الآية غيري وغير عدي بن بداء. وكانا نصرانيين مختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام في تجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم " ويحتمل أن تكون القصة وقعت قبل الإسلام ثم تأخرت المحاكمة حتى أسلموا كلهم فإن في القصة ما يشعر بأن الجميع تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بمكة سنة الفتح. قوله: (وعدي بن بداء) بفتح الموحدة وتشديد المهملة مع المد، لم تختلف الروايات في ذلك إلا ما رأيته في " كتاب القضاء للكرابيسي " فإنه سماه البداء بن عاصم، وأخرجه عن معلى بن منصور عن يحيى بن أبي زائدة، ووقع عند الواقدي أن عدي بن بداء كان أخا تميم الداري فإن ثبت فلعله أخوه لأمه أو من الرضاعة، لكن في تفسير مقاتل بن حبان " أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميم والآخر يماني". قوله: (فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم) في رواية الكلبي " فمرض السهمي فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله، قال تميم: فلما مات أخذنا من تركته جاما وهو أعظم تجارته فبعناه بألف درهم فاقتسمتها أنا وعدي". قوله: (فلما قدما بتركته فقدوا جاما) في رواية ابن جريج عن عكرمة أن السهمي المذكور مرض فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ثم أوصى إليهما، فلما مات فتحا متاعه ثم قدما على أهله فدفعا إليهم ما أرادا، ففتح أهله متاعه فوجدوا الوصية وفقدوا أشياء فسألوهما عنها فجحدا، فرفعوهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية إلى قوله: (من الآثمين) ، فأمرهم أن يستحلفوهما. قوله: (جاما) بالجيم وتخفيف الميم أي إناء. قوله: (مخوصا) بخاء معجمة وواو ثقيلة بعدها مهملة أي منقوشا فيه صفة الخوص، ووقع في بعض نسخ أبي داود " مخوضا " بالضاد المعجمة أي مموها والأول أشهر، ووقع في رواية ابن جريج عن عكرمة " إناء من فضة منقوش بذهب " وزاد في روايته أن تميما وعديا لما سئل عنه قالا اشتريناه منه، فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: قوله: (فقام رجلان من أولياء السهمي) أي الميت، وقع في رواية الكلبي " فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم " وسمى مقاتل بن سليمان في تفسير الآخر المطلب بن أبي وداعة وهو سهمي أيضا، لكنه سمى الأول عبد الله بن عمرو بن العاص، وكذا جزم به يحيى بن سلام في تفسيره، وقول من قال عمرو بن العاص أظهر، والله أعلم. واستدل بهذا الحديث لجواز رد اليمين على المدعي فيحلف ويستحق، وسيأتي البحث فيه. واستدل به ابن سريج الشافعي المشهور للحكم بالشاهد واليمين، وتكلف في انتزاعه فقال: إن قوله تعالى: وهذا الذي قاله متعقب بأن القصة وردت من طرق متعددة في سبب النزول ليس في شيء منها أنه كان هناك من يشهد، بل في رواية الكلبي فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه -أي عديا - بما يعظم على أهل دينه. واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير الكفار والمعنى (منكم) أي من أهل دينكم وأجاب الأولون بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن حتى صح عن ابن عباس وعائشة وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف أن سورة المائدة محكمة، وعن ابن عباس " أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحد من المسلمين، فإن اتهما استحلفا " أخرجه الطبري بإسناد رجاله ثقات، وأنكر أحمد على من قال إن هذه الآية منسوخة، وصح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فروى أبو داود بإسناد رجاله ثقات عن الشعبي قال: حضرت رجلا من المسلمين الوفاة بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة بتركته ووصيته فأخبر الأشعري فقال: هذا لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا كتما ولا بدلا وأمضى شهادتهما، ورجح الفخر الرازي وسبقه الطبري لذلك أن قوله تعالى: وأما اعتلال من اعتل في ردها بأنها تخالف القياس والأصول لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه وشهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغنى عن نظيره، وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطب، وليس المراد بالحبس السجن وإنما المراد الإمساك لليمين ليحلف بعد الصلاة، وأما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه الصورة عند قيام الريبة، وأما شهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فإن الآية تضمنت نقل الأيمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيين، فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا كما يشرع لمدعي الدم في القسامة أن يحلف ويستحق، فليس هو من شهادة المدعي لنفسه بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه، وأي فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال؟ وحكى الطبري أن بعضهم قال: المراد بقوله: *3* الشرح: قوله: (باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة) قال الداودي: لا خلاف بين العلماء في حكم هذه الترجمة أنه جائز. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ أَوْ الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْهُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ فِرَاسٍ قَالَ قَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ قَالَ اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَتِهِ فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ادْعُ أَصْحَابَكَ فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ فَسَلِمَ وَاللَّهِ الْبَيَادِرُ كُلُّهَا حَتَّى أَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّه لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أُغْرُوا بِي يَعْنِي هِيجُوا بِي فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن سابق، أو الفضل بن يعقوب عنه) هكذا وقع هنا بالشك، وقد روى البخاري عن أبي جعفر محمد بن سابق البغدادي مولى بني تميم بواسطة من أول حديث في الجهاد وهو عقب هذا سواء وفي المغازي والنكاح والأشربة، ولم يرو عنه بغير واسطة إلا في هذا الموضع مع التردد في ذلك، وأما الفضل بن يعقوب فتقدم ذكره في البيوع. وأخرج عنه أيضا في الجزية وغيرها، وشيبان هو ابن عبد الرحمن، وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء. وحديث جابر المذكور يأتي الكلام عليه مستوفى في علامات النبوة، وقد سبق في الصلح والاستقراض وفي الهبة وغيرها، وقوله فيه: " اذهب فبيدر " بفتح الموحدة وسكون التحتانية بعدها دال مكسورة بصيغة فعل الأمر، أي اجعل كل صنف في بيدر - أي جرين - يخصه. ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي " فبادر". وقوله: " ولا أرجع إلى أخواتي تمرة " كذا للأكثر بنزع الخافض، وللكشميهني " بتمرة " بإثباتها. قوله: (قال أبو عبد الله " أغروا بي " يعني هيجوا بي وقال أبو عبيدة في " المجاز " في قوله تعالى: وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم اثنان وعشرون أثرا. والله تعالى أعلم.
|